تعزيز قول المختصين في النقاب
بتلخيص مقال الدكتور الحداد
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد
بن عبد الله وآله وصحبه ومن والاه أما بعد:
" وضع النقاب في الإسلام"
هذا هو العنوان الذي وضع لمقال كتبه الدكتور أحمد
الحداد في هذا اليوم الاثنين 16 من شهر صفر، 1436
وفيه مواضع تعزز ما كتبته سابقا من أن النقاب
عبادة في قول المختصين وقد عمل الناشر على إخفائها وإغفالها فأحببت أن ألفت نظر القارئ إليها فأقول:
نبه الدكتور في ثنايا الكلام إلى "خطأ من تعرض للكلام عن النقاب ودعا إلى رفعه" وذلك في عدة
مواضع:
1)
قال الدكتور: "ولا ريب أن الإسلام لا يمثله سلوك بعض أهله، لأنه
نصوص واضحة، وقواعد شاهدة، فلا يكون فعل الناس حجة عليه"
قلت: وهذا
أبلغ رد على من أثار الكلام في مسألة النقاب دون مراعاة للضوابط العلمية مما أدى
إلى اللغط الذي أشار إليه الدكتور بقوله:
(إلا أن
النقاب أخذ شكلا من الجدل بين داع لرفعه، ومدافع له ببقاء وضعه)
وأقول هذا
الجدل كان بين فئتين:
الأولى هي
البادئة وقد اعترفت من بعدُ أنها ليست من أهل الاختصاص.
والثانية كان
منها من بين الحق والهدى وأوضح المحجة لأولي النهى
وشاركها
أقوام تكلموا بلا روية فحصلت العجلة في الكتابة والخطأ في الاستدلال أو الخطاب
وكنت أتمنى
لو وجدت في مقال الدكتور الإشارة إلى خطر الكلام في الدين بلا علم، نصيحة وتذكيرا
للعالمين. فنحن في وقت استباح كثير من الناس الكلام في الدين بلا بينة ولا حجة بل
عن جهل
2)
قال
الدكتور أيضا: (ولسنا بحاجة إلى أن نحدث فيه قولاً غير مسبوق، كالقول إنه ليس
من الدين).
فهذا بيان أن القول الذي تحمس له بعض الناس قول
محدث جديد ولا غرابة فهو صادر ممن لا يعلم.
وبعضهم لما رشقته السهام من كل مكان أذعن فقال " لست عالم دين، كما قال كثيرون " والاعتراف بالحق فضيلة، لكنه رد
الاتهام باتهام فقال: "لكنني لا أعتقد
أيضاً أن معظمهم رجال دين وعلم، لا، بل ونكث ما بدأه من اعتراف فعاد للإفتاء فقال:
"بل إن كثيراً ممن تحمسوا للدفاع عن الإسلام، باعتبار القضية تمسّ الدين، تمادوا في اتباع الأسلوب الجاهلي في الردود، ...)
"بل إن كثيراً ممن تحمسوا للدفاع عن الإسلام، باعتبار القضية تمسّ الدين، تمادوا في اتباع الأسلوب الجاهلي في الردود، ...)
والافتاء هنا في إصراره بأن النقاب يمس الدين من وجهة نظر خصومه فحسب. وقد
علمت أن أهل الاختصاص أجمعوا عليه.
وتباكى للقراء بأن البعض من الناس اعتمد في ردوده " على الإهانة
والتطاول والبذاءة، ومسّ الأعراض، وتحويل القضية إلى شخص كاتبها"
ولا شك أن هذه الردود المذكورة منهج غير مرضي عند العلماء الربانيين لكنها بشهادة المتباكي هي صادرة ممن لا يعتقد أن معظمهم رجال دين"
فنقول على نفسها جنت براقش. غير مختص تكلم في غير اختصاصه فقابله من هو
مثله أو أشد.
وأما أهل العلم فكلامهم واضح وبين عليه نور الإسلام والسنة بدون طعن ولا
سباب. مع أنه لا غضاضة من العتاب المحمود الذي كان من ثماره الاعتراف السابق
"لست عالم دين"
3)
وقال الدكتور: ورأي الجمهور
مقيد بعدم وجود الفتنة، أي بأن لا تكون فاتنة الجمال، بحيث إن من ينظر إليها
يفتتن بها، أو كان هناك من يتبعها بصره تلذذاً بها، فإن كان كذلك كان ستره واجباً
باتفاق أهل العلم، سداً لذريعة الفساد، فإن ذلك من أصول التشريع، لاسيما عند مالك
وأحمد، رحمهما الله تعالى.
وهذا الكلام الحسن تنبيه للمتحمسين إلى أن المسألة محل اتفاق عند
العلماء قديما وحديثا لا كما فهمه غير المختصين
لكن تفسيره هنا الفتنة بأن تكون المرأة فاتنة الجمال أمر غير منضبط
والعلماء ذكروا التفصيل بين الشابة والعجوز، وذكروا ما يتعلق بفساد الزمان وكثرة
الفساق وبنوا على ذلك الإفتاء بسد الذريعة وقد أشرت لشيء من نقولاتهم في المقال
السابق. فهذا الموضع يحتاج من الدكتور إلى تحرير.
4)
قال الدكتور في مسألة النظر: والورع في
مسائل الخلاف اجتناب الدخول فيها،
5)
وقال الدكتور: لا شك أن مسائل الحلال والحرام ليست من
العادات، بل هي من العبادات ...
وهذه الكلمات
كافية في إعلان بعض الناس خطأه وعجلته في إعلان أن النقاب ليس من الدين، فلعلهم
يفعلون وقد صرحوا من قبل أنهم دخلوا في غير اختصاصهم والله الهادي.
وقول بعض الناس:
"لست عالم دين، لكنني مسلم أحب ديني، ولا أقبل أن يشوّه هذا الدين أحد" هذا الكلام العاطفي والإنشائي الجميل، لا يبيح لصاحبه الكلام بلا علم، ولكن
يقوده إلى سؤال أهل الاختصاص أهل الذكر.
بقي أن نشير إلى مسألة ذكرها الدكتور وهي قوله:
... ولما اتفق عليه العلماء أن حكم الحاكم يرفع الخلاف، أي أن المسائل
المختلف فيها بين أهل العلم فإن للحاكم أن يختار من أقوالهم ما يراه صالحاً لمعاش
الناس ومعادهم"،
أقول تأمل قوله وفقه الله: أن يختار من أقوالهم. وأقوالهم كما بين
الدكتور دائرة بين الوجوب والاستحباب.
وإذا قيل إن المصلحة قد تقتضي المنع منه وإلزام المرأة بترك النقاب فهذا لا
يكون تشريعا عاما إذا احتيج إليه فليس من أقوال العلماء تحريم النقاب وإلزام
المجتمع بمنعه منعا عاما.
وهذا ما تنبه له الدكتور فقال في ختام كلامه:
" في أوقات محددة وأماكن معينة، لا على سبيل العموم زماناً ومكاناً"
وفي المسألة مباحثات أخرى ليس هذا محلها ولكن اعلم أيها القارئ الكريم
أن الخوض في مثل هذه المسائل من مزجي البضاعة في العلم مؤد إلى فهم ما لا يصح واعتقاد ما لا يجوز فليكن تدارس هذه القواعد مدعما بنقولات العلماء وتفسيرات المختصين بعيدا عن المشاحنات فإنها موضوعة لرفع الخلاف لا توسيع الخلاف
أن الخوض في مثل هذه المسائل من مزجي البضاعة في العلم مؤد إلى فهم ما لا يصح واعتقاد ما لا يجوز فليكن تدارس هذه القواعد مدعما بنقولات العلماء وتفسيرات المختصين بعيدا عن المشاحنات فإنها موضوعة لرفع الخلاف لا توسيع الخلاف
وأخيرا:
أذكر القارئ بـ "أن الإسلام لا يمثله
سلوك بعض أهله، لأنه نصوص واضحة، وقواعد شاهدة، فلا يكون فعل الناس حجة عليه". وكلنا يد واحدة وجندي لحماية الوطن من
الإرهاب، وكلنا ضد قتل الأبرياء واستباحة الدماء والإخلال بالأمن.
تنبيه:
ذكر الدكتور في مقاله الحديث
الآتي:
روى الحافظ في المطالب العالية عن أبي هريرة، وابن عباس، رضي الله تعالى
عنهما، قالا: خطبنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذكر الحديث، وفيه: «ومن أصاب
من امرأة نظرة حراماً ملأ الله عينيه ناراً، ثم أمر به إلى النار، فإن غض بصره
عنها أدخل الله قلبه محبته ورحمته، وأمر به إلى الجنة، ومن صافح امرأة حراماً جاء
يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه، ثم يؤمر به إلى النار، فإن كالمها حبس بكل كلمة
كلمها في الدنيا ألف عام"
قلت وهو حديث موضوع. أخرجه الحارث بن أبي أسامة في
مسنده قال حَدَّثَنَا دَاوُدُ حدثنا مَيْسَرَةُ عَنْ أَبِي عَائِشَةَ عن يزيد بن عمر عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وابن عباس رَضِيَ الله عَنْهما قَالَا فذكر
خطبة طويلة.
وداود هو بن المحبر متروك.
وميسرة هو ابن عبد ربه قال ابن حبان: كان ممن يروي
الموضوعات عن الأثبات ويضع الحديث وهو صاحب حديث فضائل القرآن الطويل.
وقال أبُو داود: أقر بوضع الحديث. وقال الدارقطني:
متروك.
والحديث ذكره البوصيري في الإِتحاف كتاب الجمعة، وبوب عليه
باب في خطبة كذبها داود بن المحبر على رسول الله -صلى
الله عليه وسلم. اهـ.
وقَالَ الْحَافِظ ابْن حجر في موضع آخر من
المطالب: الْمُتَّهَم بِهِ مَيْسَرَة بْن عَبْد ربه والله أعلم.
ولا يخفى أن مثل هذا الحديث لا ينبغي نشره ونسبته إلى المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم إلا مع بيان علته
ولا يخفى أن مثل هذا الحديث لا ينبغي نشره ونسبته إلى المصطفى صلى الله عليه و آله وسلم إلا مع بيان علته
أخي الموفق:
ومرة أخرى أهمس في أذنك دينك أغلى ما عندك فلا تأخذه من غير أهله بل خذه من المختصين حقا، أهل
العلم والخشية يقول الله تعالى:
{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]
«اللهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ، وَمِيكَائِيلَ،
وَإِسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ
وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ
يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ
تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ»
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق